فصل: الفصل الثالث: العلل المسببة للغلط:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المناظر (نسخة منقحة)



.الفصل الثالث: العلل المسببة للغلط:

العلل التي من أجلها يعرض للبصر الغلط قد تبين في المقالة الأولى أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات التي تكون معه في هواء واحد ويكون إدراكه لها على الاستقامة إلا بعد أن يجتمع للمبصر عدة معان وهي البعد والمقابلة والضوء وأن يكون حجمه مقتدراً وأن يكون كثيفاً أو فيه بعض الكثافة وأن يكون الهواء المتوسط بينه وبين البصر مشفاً متصل الشفيف لا يتخلله شيء من الأجسام الكثيفة. فإذا اجتمعت للمبصر هذه المعاني وكان البصر إليه سليماً من الآفات والعوائق التي تمنعه من إدراك المبصرات فإن البصر يدرك ذلك المبصر. وإن عدم البصر والمبصر واحداً من هذه المعاني فليس يدرك المبصر الذي يعدم منه ذلك المعنى.
وقد تبين في المقالة الثانية أن البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات إلا في زمان. وإذا كان ذلك كذلك فالزمان أيضاً هو أحد المعاني التي بها يتم الإبصار. فالإبصار ليس يتم إلا باجتماع هذه المعاني.
وأيضاً فإن البصر إذا كانت به آفة أو عاقه عائق ولم يمنعه ذلك عن إدراك المبصر بالكلية، فليس يدرك المبصر إدراكاً محققاً ما دام معوقاً أو به آفة، وليس يدرك البصر المبصر إدراكاً محققاً إلا إذا كان سليماً من الآفات والعوائق أو كان به ما لا يؤثر فيه كثير تأثير. وإذا كان ذلك كذلك فصحة البصر وسلامته هو أحد المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه.
وقد تبين في الفصل الذي قبل هذا الفصل أن المبصر إذا كان خارجاً عن سهم الشعاع وبعيداً عنه، فإن البصر ليس يدركه إدراكاً محققاً، وإن كان على سمت المواجهة. وتبين أيضاً أن المبصر إذا كان مائلاً على خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً، فليس يدركه البصر إدراكاً محققاً، وإن كان سهم الشعاع ومقابلاً لوسط البصر. وإذا كان ذلك كذلك فليس يدرك البصر المبصر على ما هو عليه، وإن كان مقابلاً له، إلا إذا كان المبصر على وضع مخصوص، وهو أن يكون مواجهاً للبصر أو قريباً من المواجهة وأن يكون مع ذلك على سهم الشعاع أو قريباً منه.
فالمعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه ثمينة وهي البعد والوضع المخصوص والضوء واقتدار الحجم والكثافة وشفيف الهواء والزمان وصحة البصر. فإذا اجتمعت للمبصر جميع المعاني التي ذكرناها أدرك المبصر إدراكاً محققاً، وإن عدم المبصر بعض هذه المعاني وأدركه البصر مع ذلك فليس يدركه إدراكاً محققاً.
فنقول إن لكل واحد من هذه المعاني بالقياس إلى كل واحد من المبصرات عرضاً ما فيه يدرك البصر ذلك المبصر على ما هو عليه. وما دامت هذه المعاني مجتمعة للمبصر وكل واحد منها في عرض الاعتدال الذي به يتم إدراك المبصر على ما هو عليه، فإن البصر يدرك ذلك المبصر على ما هو عليه. وإذا تجاوز واحد من هذه المعاني أو أكثر من واحد منها ذلك العرض بالإفراط فليس يدرك البصر ذلك المبصر على ما هو عليه. وذلك أن المبصر البعيد جداً عن البصر المتفاوت البعد ليس يدركه البصر إدراكاً صحيحاً، وكذلك المبصر القريب جداً من البصر ليس يدركه البصر إدراكاً صحيحاً. وفيما بين الطرفين أبعاد كثيرة يدرك البصر منها المبصر إدراكاً صحيحاً لا لبس فيه. إلا أن الأبعاد التي يدرك منها البصر المبصر إدراكاً صحيحاً تكون إلى حد ما، وليس شيء منها متفاوتاً لا في البعد ولا في القرب، وهي في كل واحد من المبصرات بحسب ذلك المبصر. لأن المبصر المقتدر الحجم قد يدرك البصر صورته إدراكاً صحيحاً من بعد قد تخفى من مثله صورة المبصر الصغير الحجم أو تشتبه. وكذلك المبصر القوي الضوء قد يدرك البصر صورته من بعد قد تخفى من مثله صورة المبصر الضعيف الضوء.
وأيضاً فإن المبصر الذي ليس هو مقابلاً لوسط البصر، المائل عن الوسط ميلاً متفاوتاً، وليس يلقى سهم الشعاع شيئاً من أجزائه ولا يقرب منه، فليس يدركه البصر إدراكاً صحيحاً. والمبصر الذي يدرك بالبصرين معاً ولا يلتقي عليه سهما البصرين والشعاعات المتشابهة الوضع، ولا يكون وضعه من البصرين وضعاً متشابهاً، فليس يدركه البصر إدراكاً صحيحاً. والمبصر أيضاً الذي تكون خطوط الشعاع مائلة عليه ميلاً متفاوتاً ليس يدركه البصر إدراكاً صحيحاً. والمبصر المقابل لوسط البصر الذي يكون سهم الشعاع على نقطة منه أو قريباً منه إذا لم يكن فسيح الأقطار فإن البصر يدركه إدراكاً صحيحاً وإن لم يتحرك السهم على جميع أقطاره. والمبصر الذي يدرك بالبصرين معاً، ويكون وضعه من البصرين وضعاً متشابهاً، فإن البصر يدركه إدراكاً صحيحاً. والمبصر المواجه للبصر والقريب من وضع المواجهة أيضاً المائل ميلاً يسيراً يدرك البصر صورته إدراكاً صحيحاً. إلا أن الميل اليسير الذي يدرك معه البصر حقيقة صورة المبصر يكون بحسب المعاني التي في المبصر. وكذلك البعد عن سهم الشعاع اليسير الذي يدرك معه حقيقة المبصر يكون بحسب المعاني التي في المبصر. فإن المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة قد يدرك البصر حقيقة صورته وهو خارج عن سهم الشعاع وبعيد عنه بعداً يسيراً. وكذلك قد يدرك البصر حقيقته إذا كان مائلاً على خطوط الشعاع ميلاً يسيراً. والمبصر الذي فيه معان لطيفة قد تخفى حقيقة صورته إذا كان خارجاً عن سهم الشعاع، وكان بعده عن السهم مثل البعد الذي يدرك منه حقيقة صورة المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة. وكذلك قد تخفى حقيقة صورته إذا كان مائلاً على خطوط الشعاع مثل الميل الذي يدرك معه حقيقة صورة المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة.
وأيضاً فإن المبصر الذي فيه ضوء يسير وليس ضوؤه بكل البين ليس يدرك البصر صورته إدراكاً صحيحاً، وخاصة إذا كان فيه معان لطيفة. وكذلك إذا كان المبصر نيراً قوي الضوء، أو كان صقيلاً وأشرق عليه ضوء قوي، فليس يدركه البصر إدراكاً صحيحاً. وفيما بين الضوء الخفي والضوء المشرق أضواء كثيرة يدرك البصر منها المبصر إدراكاً صحيحاً. وتوجد الأضواء التي تدرك فيها المبصرات إدراكاً صحيحاً تكون أبداً إلى حد ما، وليس فيها شيء متفاوت في القوة ولا في الضعف. ويوجد الضوء أيضاً الذي يدرك فيه البصر صورة المبصر إدراكاً صحيحاً يكون بحسب المعاني التي في المبصر وبحسب عظم المبصر. فإن المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة قد يدرك البصر حقيقته في ضوء يسير قد تشتبه في مثله صورة المبصر الذي فيه معان لطيفة. وكذلك المبصر المقتدر الحجم قد يدركه البصر في ضوء يسير قد يخفى في مثله المبصر الذي في غاية الصغر.
والمبصر أيضاً إذا كان في غاية الصغر وكانت فيه معان لطيفة وأجزاء متميزة فليس يدركه البصر إدراكاً صحيحاً، كالحيوانات التي في غاية الصغر التي أعضاؤها المتميزة وتخطيط وجوهها وجوارحها في حد من الصغر ليس في قوة البصر إدراكه. فإن ما هذه صفته من الحيوانات إذا أدركها البصر فليس يدركها إدراكاً صحيحاً، ولا يتحقق صورتها، لأن الحيوان إذا لم يدرك البصر جميع أعضائه المتميزة التي هي ظاهر جسمه فما أدرك حقيقة صورته. وإذا كان حجم الحيوان مقتدراً، كانت أعضاؤه مناسبة له، وأمكن البصر أن يدرك كل واحد من أعضائه المتميزة التي في ظاهر جسمه. وإذا أدرك البصر كل واحد من أعضائه المتميزة التي في ظاهره فقد أدرك صورته على ما هي عليه. وكذلك جميع المبصرات التي فيها معان في غاية الدقة ليس يدرك البصر حقائق صورها. وإذا كانت تلك المعاني في مبصرات مقتدرة، وكانت مناسبة لها، فإن البصر يدرك تلك المبصرات إدراكاً صحيحاً.
والمبصر أيضاً إذا كان مشفاً وكان فيه بعض الكثافة وكانت كثافته يسيرة جداً، فلي يدركه البصر إدراكاً صحيحاً. وإذا لم يكن مشفاً أو كان فيه شفيف يسير وكانت كثافته بينة، فإن البصر يدركه إدراكاً صحيحاً. وكلما كان المشف أرق لوناً احتاج في إدراكه إلى الزيادة في الكثافة، وكلما كان أقوى لوناً أمكن البصر أن يدركه مع كثافة يسيرة لا يدرك معها حقيقة المبصر الرقيق اللون إدراكاً صحيحاً. والهواء المتوسط بين البصر والمبصر إذا كان غليظاً كدراً مسف الغلظ كالضباب والقتام والدخان وما جرى مجرى ذلك، وكانت فيه مبصرات لطيفة ومبصرات فيها معان لطيفة، فليس يدرك البصر تلك المبصرات إدراكاً صحيحاً. وكذلك إذا قطع الهواء المتوسط بين البصر والمبصر جسم مشف فيه بعض الغلظ فليس يدرك البصر ذلك المبصر إدراكاً صحيحاً. وإذا كان الهواء صافياً مشفاً لطيفاً متشابه الشفيف ولم يقطعه جسم من الأجسام التي فيها كثافة فإن البصر يدرك المبصرات التي تكون في ذلك الهواء إدراكاً صحيحاً. وكذلك إذا كان في الهواء بعض الغلظ، وكان الغلظ الذي فيه يسيراً، وكان فيه مبصرات ليست في غاية الصغر، وليس فيها معان في غاية اللطافة، فإن البصر يدرك تلك المبصرات إدراكاً صحيحاً، ولا يعوقه ذلك الهواء عن إدراكها وإن كان فيه بعض الغلظ، ويكون غلظ الهواء الذي يدرك فيه المبصر إدراكاً صحيحاً بحسب المعاني التي في المبصر، فإن المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة قد يدرك البصر حقيقته في هواء فيه بع الغلظ ولا يدرك في ذلك الهواء حقيقة المبصر الذي فيه معان لطيفة.
والمبصر أيضاً إذا كان متحركاً حركة سريعة في غاية السرعة وقطع المسافة التي يدركه البصر فيها في أقل القليل من الزمان فليس يدرك البصر مائية ذلك المبصر إدراكاً صحيحاً. كالناظر إذا كان ينظر من ثقب أو من باب، وكان بعيداً عن الثقب أو الباب، وكان المبصر من وراء الثقب مجتازاً وكان متحركاً حركة سريعة كالخطف، وأدركه البصر من الثقب، فإنه ليس يدرك مائيته ولا يتحقق صورته أو لا يدرك صورته إدراكاً صحيحاً. وإذا ثبت المبصر في قبالة البصر، أو تحرك في قبالة البصر مسافة ليست متفاوتة العظم في زمان محسوس، فإن البصر يدرك مائية ذلك المبصر ويدرك حقيقته. والحركة أيضاً إذا كانت مستديرة كحركة الدوامة وكانت شديدة السرعة، فإن البصر ليس يدركها، ويدرك الدوامة أو الجسم المتحرك بحركة الدوامة إذا كان شديد السرعة كأنه ساكن. وكذلك أيضاً الحركة البطيئة المسرفة البطء ليس يدركها البصر في اليسير من الزمان، ويدرك البصر المبصر المتحرك حركة بطيئة مسرفة البطء في زمان محسوس المقدار كأنه ساكن وغير متحرك.
والبصر أيضاً إذا كانت به آفة مؤثرة فيه ولم يكن صحيحاً سليماً أو عرض له عارض يغيره تغييراً مؤثراً فليس يدرك المبصر إدراكاً صحيحاً. وإذا كان صحيحاً سليماً من الآفات والعوارض فإنه يدرك المبصر إدراكاً صحيحاً. وإن كان به عارض يسير أيضاً فإنه قد يدرك المبصرات التي ليست في غاية الصغر ولا فيها معان في غاية اللطافة إدراكاً صحيحاً.
فقد تبين مما فصلناه وشرحناه أن لكل واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه بالقياس إلى كل واحد من المبصرات عرضاً ما في تضاعيفه يدرك البصر المبصر على ما هو عليه، وإذا تجاوز ذلك العرض بالإفراط فليس يدرك البصر المبصر مع إفراط ذلك المعنى. والخروج عن العرض الذي من أجله ليس يتم إدراك المبصر على ما هو عليه يكون في البعد بالإفراط في الزيادة وفي النقصان، ويكون الوضع بالبعد عن سهم الشعاع وباختلاف وضع المبصر من البصرين إذا كان الإبصار بالبصرين معاً، لأنه إذا اختلف وضع المبصر من البصرين كانت الشعاعات التي تلتقي على المبصر من البصرين غير متشابهة الوضع، وبإفراط ميل سطح المبصر على خطوط الشعاع، وبامتداد سطح المبصر أو المسافة التي بين المبصرين على استقامة خطوط الشعاع. وبالجملة فإن كل وضع لا يتم معه إدراك المبصر على ما هو عليه فهو وضع خارج عن الاعتدال. ويكون في الحجم بالإفراط في الصغر. ويكون بالكثافة بالإفراط بالشفيف، ويكون في الهواء بالإفراط في الغلظ في جميعه أو بعضه. ويكون في الزمان بالإفراط في القصر. ويكون البصر بالإفراط في الضعف أو في التغير.
وإذا قد تبين ذلك فلنسم العرض الذي فيه يدرك البصر المبصر على ما هو عليه في كل واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه عرض الاعتدال. وإذا كان لكل واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه عرض فيه يدرك البصر المبصر على ما هو عليه، وإذا تجاوز ذلك المعنى ذلك العرض لم يدرك البصر المبصر على ما هو عليه، فقد وجب أن نحد هذا العرض بحد يفرزه عن الإفراط الذي يخرج عنه، فنقول: إن عرض الاعتدال في كل واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه هو العرض الذي ليس يكون بين الصورة التي يدركها البصر من المبصرفي تضاعيفه وبين صورته الحقيقية تفاوت محسوس مؤثر في حقيقة صورة المبصر. فهذا الحد يتم في كل واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه. وغاية العرض في كل واحد من هذه المعاني يختلف بحسب اختلاف المبصرات، ويكون عرض كل واحد من هذه المعاني بالقياس إلى مبصر من المبصرات بحسب كل واحد من المعاني الباقية التي بها يتم الإبصار، وبحسب لون ذلك المبصر أيضاً وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون فيه إن كانت فيه معان لطيفة كالتخطيط والنقوش والكتابة والأجزاء المتميزة. فيكون عرض الاعتدال في البعد بالقياس إلى كل مبصر من المبصرات بحسب لون ذلك المبصر، وبحسب المعاني اللطيفة التي في ذلك المبصر، وبحسب الضوء الذي فيه، وبحسب وضعه، وبحسب حجمه، وبحسب كثافته، وبحسب الهواء المتوسط بينه وبين البصر، وبحسب الزمان، وبحسب صحة البصر وقوته.
وذلك أن المبصر النقي البياض والمشرق اللون تظهر حقيقته من بعد أعظم من غاية البعد الذي يدرك منه حقيقة المبصر المنكسف اللون والترابي اللون المساوي لذلك المبصر في جميع المعاني الباقية التي فيه. فعرض البعد الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى المبصر المنكسف اللون والترابي اللون يكون أضيق من عرض البعد بالقياس إلى المبصر النقي البياض والمشرق اللون.
وكذلك أيضاً المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة ولا أجزاء متميزة تظهر حقيقته من أعظم من غاية البعد الذي تظهر منه حقيقة المبصر الذي فيه معان دقيقة وأجزاء لطيفة متميزة. فعرض البعد الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى المبصر الذي فيه معان لطيفة أضيق من عرض البعد بالقياس إلى المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة.
وكذلك أيضاً المبصر إذا كان مقابلاً لوسط البصر وعلى سهم الشعاع، أو على ملتقى السهمين إذا كان الإبصار بالبصرين، يكون أبين منه نفسه إذا كان مائلاً عن السهم وبعيداً عنه أو ملتقى السهمين. وإذا كان المبصر أيضاً مواجهاً للبصر يكون أبين منه نفسه إذا كان مائلاً ولم يكن مواجهاً للبصر كان الإبصار ببصرين أو كان الإبصار ببصر واحد. والأبين تدرك حقيقته من بعد أعظم من غاية البعد الذي تدرك منه حقيقة المبصر الذي ليس بكل البين. فعرض البعد الذي منه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى المبصر البعيد عن السهم والمائل على السهم وعلى خطوط الشعاع أضيق من عرض البعد بالقياس إلى المبصر المقابل لوسط البصر وعلى ملتقى السهمين، وأضيق من عرض البعد بالقياس إلى المبصر المواجه للبصر.
وكذلك أيضاً المبصر الذي فيه ضوء قوي قد يدرك البصر حقيقته من بعد أعظم من غاية البعد الذي يدرك منه حقيقة ذلك المبصر إذا كان الضوء الذي فيه ضعيفاً. فعرض البعد الذي يدرك فيه البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى المبصر الضعيف الضوء أضيق من عرض البعد بالقياس إلى المبصر القوي الضوء.
وكذلك أيضاً المبصر العظيم الحجم قد يدرك البصر حقيقته من بعد أعظم من غاية البعد الذي يدرك منه حقيقة المبصر الصغير الحجم. فعرض البعد الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى المبصر الصغير الحجم أضيق من عرض البعد بالقياس إلى المبصر العظيم الحجم.
وكذلك أيضاً المبصر الكثيف الذي ليس فيه شيء من الشفيف والمبصر الذي فيه شفيف يسير أيضاً قد يدرك البصر حقيقته من أعظم من غاية البعد الذي يدرك منه البصر حقيقة المبصر الشديد الشفيف الذي فيه يسير من الكثافة. فعرض البعد الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى المبصر المشف الذي فيه يسير من الكثافة أضيق من عرض البعد بالقياس إلى المبصر الكثيف والمبصر المشف اليسير الشفيف.
وكذلك أيضاً إذا كان المبصر في هواء نقي متناهي الشفيف متصل الشفيف، فإن البصر قد يدرك حقيقة ذلك المبصر من بعد أعظم من غاية البعد الذي يدرك منه حقيقة ذلك المبصر إذا كان في هواء غليظ أو في هواء فيه بعض الكدر أو بعض العوائق. فعرض البعد الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى الهواء الغليظ والمعوق أضيق من عرض البعد بالقياس إلى الهواء النقي الصافي الشفيف.
وأيضاً فإن المبصر إذا كان قريباً من البصر فإن البصر يدرك حقيقته في زمان أقصر من الزمان الذي يدرك فيه حقيقة ذلك المبصر إذا كان بعيداً عن البصر. وإذا اعتبرت هذه الحال من المبصرات وجدت كذلك دائماً، وخاصة إذا كان في المبصر معان لطيفة. وإذا كان ذلك كذلك دائماً وخاصة إذا كان في المبصر معان لطيفة، فإن الزمان الذي يدرك فيه المبصر إذا اتفق أن يكون محصوراً، فإن عرض البعد الذي يصح أن يدرك فيه البصر حقيقة المبصر يكون بحسب ذلك الزمان. وذلك أن البصر إذا لحظ المبصر ثم انصرف عنه في الحال، أو كان البصر متحركاً وأدرك في حال حركته مبصراً من المبصرات ثم خفي عنه ذلك المبصر في الحال من أجل الحركة، أو كان المبصر متحركاً وأدركه البصر في حال حركته ثم خفي عنه من أجل الحركة، ولم يثبت في مقابلة البصر، وكان الزمان الذي أدركه فيه يسيراً، فإن المبصر الذي بهذه الصفة إذا كان قريباً من البصر فقد يدرك البصر حقيقته، وإن كان الزمان الذي يدركه فيه يسيراً. وإذا كان بعيداً عن البصر فليس يدرك البصر حقيقته في أقل القليل من الزمان الذي يدرك فيه البصر حقيقة ذلك المبصر إذا كان قريباً من البصر. فإذا كان الزمان الذي يتمكن فيه البصر من تأمل المبصر محصوراً، وكان يسيراً، فإن عرض البعد الذي يصح أن يدرك فيه البصر حقيقة ذلك المبصر في ذلك القدر من الزمان يكون أضيق من عرض البعد الذي يدرك فيه البصر حقيقة ذلك المبصر في زمان أوسع من ذلك الزمان. فعرض البعد الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى الزمان اليسير الذي يدرك فيه البصر المبصر ويتمكن من تأمله يكون أضيق من عرض البعد بالقياس إلى الزمان المتنفس الذي يدرك فيه المبصر ويتأمله تأملاً صحيحاً إذا كان الزمان محصوراً.
وكذلك أيضاً إذا كان البصر صحيحاً قوياً ليس به شيء من الآفات ولا شيء من العوارض، فإنه يدرك حقيقة المبصر من بعد أعظم من غاية البعد الذي يدرك منه البصر الضعيف والمأوف والمعوق حقيقة ذلك المبصر. فعرض البعد الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بالقياس إلى البصر المأوف والمعوق يكون أضيق من عرض البعد بالقياس إلى البصر الصحيح.
فقد تبين مما شرحناه أن عرض الاعتدال في البعد يكون بحسب المعاني التي في المبصر التي بينا تفصيلها.
وكذلك أيضاً عرض الاعتدال في الوضع يكون بحسب لون المبصر، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر إن كانت فيه معان لطيفة، وبحسب بعده، وبحسب الضوء الذي يكون فيه، وبحسب حجمه، وبحسب كثافته، وبحسب الهواء، وبحسب الزمان إذا كان الزمان محصوراً، وبحسب صحة البصر وقوته.
ويكون عرض الاعتدال في الضوء الذي في المبصر بحسب لون المبصر، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون فيه، وبحسب بعده، وبحسب وضعه، وبحسب حجمه، وبحسب كثافته، وبحسب الهواء، وبحسب الزمان الذي يتأمل في البصر المبصر إذا كان الزمان محصوراً، وبحسب صحة البصر وقوته.
ويكون عرض الاعتدال في الحجم بحسب لون المبصر، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون فيه، وبحسب بعده، وبحسب وضعه، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون فيه، وبحسب بعده، وبحسب وضعه، وبحسب ضوئه، وبحسب كثافته، وبحسب الهواء، وبحسب الزمان، وبحسب صحة البصر وقوته.
فأما عرض الاعتدال في الكثافة فإنه يكون في الأجسام المشفة التي فيها بعض الكثافة، فيكون عرض الاعتدال في الكثافة التي في الجسم المشف بحسب لون المبصر، وبحسب اللون الذي يظهر من وراء ذلك المبصر، أو الضوء الذي يظهر من ورائه، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون في ذلك المبصر، وبحسب بعد ذلك المبصر، وبحسب وضعه، وبحسب ضوئه، وبحسب حجمه، وبحسب الهواء، وبحسب الزمان الذي يتمكن فيه البصر من تأمل المبصر، وبحسب البصر وقوته.
ويكون عرض الاعتدال في شفيف الهواء بحسب لون المبصر، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر، وبحسب بعده، وبحسب وضعه، وبحسب ضوئه، وبحسب حجمه، وبحسب كثافته، وبحسب الزمان، وبحسب صحة البصر وقوته.
ويكون عرض الاعتدال في الزمان الذي فيه يدرك البصر حقيقة المبصر بحسب لون المبصر أيضاً، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون فيه، وبحسب بعده، وبحسب وضعه، وبحسب ضوئه، وبحسب حجمه، وبحسب كثافته، وبحسب الهواء، وبحسب صحة البصر.
ويكون عر الاعتدال في صحة البصر وسلامته من الآفات والعوائق بحسب لون المبصر، وبحسب المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر، وبحسب بعده، وبحسب وضعه، وبحسب ضوئه، وبحسب حجمه، وبحسب كثافته، وبحسب الهواء، وبحسب الزمان.
وإذا فصل كل واحد من المعاني على مثل ما فصلت في البعد، تبين أن عرض الاعتدال في كل واحد منها يكون بحسب كل واحد من المعاني المذكورة في ذلك المعنى. فقد تبين من جميع ما شرحناه وفصلناه أن لكل واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه، بالقياس إلى كل واحد من المبصرات، عرضاً ما في تضاعيفه يدرك البصر ذلك المبصر إدراكاً صحيحاً ويدرك صورته على ما هي عليه، وإذا تجاوز ذلك العرض بالإفراط فإن البصر إما أن لا يدرك ذلك المبصر وإما أن يدركه على خلاف ما هو عليه، وأن عرض كل واحد من المعاني بالقياس إلى مبصر من المبصرات يكون بحسب المعاني الباقية التي في ذلك المبصر التي تبين تفصيلها. فإذا كان كل واحد من المعاني، التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه، في عرض الاعتدال بالقياس إلى مبصر من المبصرات فإن البصر يدرك ذلك المبصر على ما هو عليه.
وإذا كان ذلك كذلك فإن البصر إذا أدرك مبصراً من المبصرات على خلاف ما هو عليه، فإن المعاني التي في ذلك المبصر التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه ليس كل واحد منها في عرض الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر، بل قد خرجت أو بعضها أو واحد منها عن عرض الاعتدال. فيلزم من هذه الحال أن يكون البصر ليس يدرك شيئاً من المبصرات على خلاف ما هو عليه إلا إذا كان واحد من هذه المعاني أو أكثر من واحد منها خارجاً عن عرض الاعتدال، لأن هذه المعاني إذا كان جميعها في عرض الاعتدال بالقياس إلى المبصر فإن البصر يدرك ذلك المبصر على ما هو عليه. وأيضاً فإنه إذا كان ليس يتم إدراك المبصر على ما هو عليه في عرض الاعتدال بالقياس إلى ذلك المبصر، فإنه إذا خرج واحد من هذه المعاني عن عرض الاعتدال، أو أكثر من واحد منها، فإن البصر ليس يدرك ذلك المبصر على ما هو عليه بل يدركه على خلاف ما هو عليه. وإذا كان متى خرج واحد من هذه المعاني عن عرض الاعتدال فإن البصر يدرك المبصر على خلاف ما هو عليه، ومتى كان جميع هذه المعاني في عرض الاعتدال فإن البصر يدرك المبصر على ما هو عليه، فإن العلة التي من أجلها يدرك البصر المبصر على خلاف ما هو عليه إنما هي خروج واحد من هذه المعاني عن عرض الاعتدال فإن البصر يدرك المبصر على ما هو عليه، فإن العلة التي من أجلها يدرك البصر المبصر على خلاف ما هو عليه إنما هي خروج واحد من هذه المعاني عن عرض الاعتدال أو أكثر من واحد منها. وغلط البصر إنما هو إدراك المبصر على خلاف ما هو عليه. وإذا كان غلط البصر إنما هو إدراك المبصر على خلاف ما هو عليه، وكان البصر ليس يدرك المبصر على خلاف ما هو عليه إلا من أجل خروج واحد من هذه المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه عن عرض الاعتدال أو أكثر من واحد منها، فالعلة إذن التي من اجلها يعرض للبصر الغلط هو خروج واحد من المعاني التي بها يتم إدراك المبصر على ما هو عليه عن عرض الاعتدال أو أكثر من واحد منها. فعلل جميع أغلاط البصر إنما هي خروج المعاني التي بها يتم إدراك المبصرات على ما هي عليه عن عرض الاعتدال التي هي المعاني التي بينا تفصيلها. وهذا هو الذي قصدنا لتبيينه في هذا الفصل.